فبعد تفكير وتشاور كتبوا الدستور الذي يسمى: الدستور الأمريكي، ويعدونه أفضل دساتير العالم، وأنه تفوق على ما كتبه الإنجليز والفرنسيون، ويفتخر الأمريكان ويقولون: نحن علمنا أوروبا ، ولم نأخذ من أوروبا ؛ لأننا هربنا من جحيم أوروبا وعلمناها كيف تكون الحقوق، وإلى الآن و أمريكا إذا أردت أن تعامل أي دولة بموجب حقوق الإنسان فإنها تسجل تلك الدولة الفلانية في حقوق الإنسان، وبمقتضى هذا السجل تعاملها! وكأنهم هم الذين علموا الناس الإنسانية، وعلموها كيف تعيش، وكيف تحترم الإنسان، وتكرمه، ولا تظلمه .. إلى آخره.
فالمهم أن الدستور الأمريكي مقارنة بدساتير أوروبا يعد شيئاً كبيراً جداً، لكن ظروف كتابته كانت هي هذه، فلهذا لم تكن أمريكا دولة قومية، وهذه المزية هي التي جعلت أمريكا تصبح أقوى دول الغرب، فهي لا تعامل الإنسان على أساس قومية معينة كالألمان كمثال، فالألمان عندهم أنك لابد أن تكون ألمانياً وإلا فلك نظرة أخرى! وكذلك ليست أمريكا دولة دينية؛ لأنه إذا كان دينها كاثوليكي أو برتستانتي فمعناه قيام حروب طاحنة لا أول لها ولا آخر، فلما كانت لا دينية ولا قومية، وإنما هي دولة تقوم على مبدأ الاعتراف لكل دين بحقه في أن يعيش، ولكل إنسان بحقه في أن يعمل، وهذا هو مبدأ الرأسمالية التي قامت عليها أمريكا .
وهذا المبدأ بالنسبة إلى الظلم الذي كان في أوروبا يعتبر شيئاً كبيراً؛ ولهذا حققوا من خلاله إنجازات حضارية كثيرة.
فالمهم أنهم في كل مراحلهم لا يعترفون أن الإسلام سبقهم إلى شيء من هذه الحقوق، ولا أنهم أخذوها من الإسلام، وهم لا يعترفون أصلاً أن في التاريخ حقوقاً إلى يومنا هذا إلا الحقوق التي قرروها، ولا يعترفون أن غيرهم عرف هذه الحقوق؛ مع أنهم متأخرون جداً فيها كما سنبين إن شاء الله.